عدنان المصري الأكاديمي الجدي المتفاعل مع مفاهيم الابداع الجاذب للفكر و الذاكرة,عبر الممارسة و الخبرة و دراساته الزخرفية الجمالية,ابن مدينة بيروت الذي أكسبته معرفته تواضعا صامتا,تجلى بما تركته لنا من موتيفات فنية عربية اسلامية,أعطاها بعدا فلسفيا و حضاريا تجسد ذلك في أبعاد لوحته التشكيلية الآسرة بلا نهائيتها كأنه يستعير من الغيب تماهي الجمال المجرد.
اتجه عدنان المصري لدراسة الرسم سنة 1962 في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة,و لدراسة الفلسفة و علم النفس و علم الاجتماع في جامعة بيروت العربية 1970,و حصل على ماجستير فلسفة علم الجمال في الجامعة اللبنانية (1977-2001),و كان مواكبا و مراقبا رصينا لكل جديد في الفن التشكيلي,هذا التمادي له في المعرفة العلمية الجمالية,جعله يقف على منعطف بناء معادلته,مؤسسا للوحة تكاملية جعلت له حضورا مثيرا في الحركة الفنية اللبنانية و العربية المعاصرة.
لم يقرأ النقد التشكيلي لوحة عدنان المصري و تداخلاتها و عوالمها الا من جوانب عرضية,خصوصا و أن المصري لم يدخل تجاذبات النقد و الاعلام و التسويق,وظل أمينا مكافحا لمضمون أعماله,فالمصري اليوم و نحن نستذكر غيابه يحتاج الى قراءة تشكيلية بما قدمه لاستنباط ما قام به الرجل,كمعلم معماري ينمنم التشكيل بهندسة حروفية و زخرفة بارعة غائصا في تجربة عالية المقام فنيا,تنشد المعنى التصوفي الفني بروحانية متفلتة من حرارة اللون,الى مأساة جمال الكون.
اذا علينا كشف مهمة عدنان المصري ووضعها في مكانتها التجريبية و في مقامها حماية للترابط الفكري و التطوري لهذه اللوحة.
موتيفات عدنان المصري مشغولة بنفس تداخلي معماري يتزاحم فيها الدائري بالمثلث و المربع و المستطيل و الخطوط و تتشاكل في تكوينات موحدة في بناء هارموني متصاعد و تدويري و منقط بحروفية هيولية متماهية بعالم بهي بل عوالم مرمزة تضج بالحركة و التناغم و حيرة العين,و ذات دلالات نسيجية خاصة و مقاييس تناظرية تناسقية تتغلغل بالتجريب و التجريد,و هذا ما انسحب على مجمل لوحاته الفنية بشروط متقدمة في تلازم العلائق التكوينية بكل اتجاهات اللوحة,لتغدو حالة نادرة في تأليفها الزخرفي الاسلامي المشرقي,و حيث يبدو الله عنده واحد نوراني منبثق و خفي و متجلي في قامة اللوحة,و جوهرها المركب من الخط العربي و المتوالد فنيا من جوهر نقطة الحرف,التي هي أصل الخط و بداية هندسة لنقطة متحركة بتشكيلات ذات بعد صوتي و حرفي حيث الحرف بلا حركة يبدو صامتا,هذا ما تنبه و تقصده المصري ليطفي قيمة تشكيلية و حضورا يبدو فيه الفن الباطني المشغول من معالم الظاهر و الباطن و المتحرك و الساكن و المرئي و غير المرئي.
عدنان المصري ابن تجربة طورت في هذه القيمة التشكيلية الحروفية بعد أن كان فن الخط في معظمه يعكس الآيات القرآنية أو الأقوال المأثورة أو الشعر أو الحكمة الخ…ثم دفع بها الى رمزية عالية في معادلة من الصعوبة بمكان فك شيفرة لوحته .
أهمية العودة الى أعمال الفنان عدنان المصري و أمثاله و هم قلة في العالم العربي الذين عملوا على جمال اللوحة الحروفية من منطلق معادلات ابداعية تطويرية ستبقى منعطفا و شاهدا على أي جديد.
يحتفظ متحف فرحات بأعمال متنوعة و قيمة للفنان عدنان المصري ليضمها الى مجموعة الخط العربي الموجودة في المتحف.
لمى فواز
14-08-2011